شتاء غزة القاسي يكشف حجم الكارثة الإنسانية وأزمة المأوى تتجاوز حدود الاحتمال
شتاء غزة القاسي يكشف حجم الكارثة الإنسانية وأزمة المأوى تتجاوز حدود الاحتمال
مع بداية فصل الشتاء في قطاع غزة، تتكشف ملامح كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها أكثر من 2.2 مليون نسمة، بينهم نحو 1.5 مليون نازح يعيشون في مخيمات شديدة الهشاشة، وعلى الرغم من أن القطاع لم يصل بعد إلى ذروة الشتاء، فإن الأوضاع الإنسانية تبدو في طريقها نحو الأسوأ، في حين تتواصل المنخفضات الجوية وتزداد الأمطار غزارة على أرض ممزقة بالبنية التحتية المدمرة.
تحت مياه الأمطار التي غمرت عشرات المخيمات، يجد النازحون أنفسهم بلا خيام كافية ولا تجهيزات أساسية ولا حماية من البرد والرياح. وبين ركام يزيد على 61 مليون طن، وبنية تحتية منهارة، وصعوبة وصول الطواقم الطبية، تتصاعد المخاوف من انهيارات جديدة وموجات أمراض وتلوث تهدد حياة الآلاف.
تفاقم أزمة المأوى
أكد أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في مداخلة مع فضائية القاهرة الإخبارية الخميس أن غزة لم تدخل بعد المرحلة الأشد من فصل الشتاء، ومع ذلك تبدو الأزمة الإنسانية أعلى من قدرة أي جهة على الاستجابة، ويشير إلى أن الجهود المبذولة حتى الآن لم ترتقِ إلى مستوى الكارثة، موضحًا أن الإمكانات المتاحة محدودة للغاية، سواء من حيث المعدات أو الآليات أو الخيام.
ويكشف الشوا أن عدد الخيام التي دخلت القطاع لا يتجاوز 40 ألف خيمة، في حين تبلغ الحاجة الفعلية نحو 300 ألف خيمة لسد جزء من أزمة النزوح القسري، ويضيف أن نقص المعدات يعوق عمليات إنقاذ الأرواح ووقف تسرب المياه القادمة من مناطق مرتفعة تحتلها إسرائيل وتفيض باتجاه المناطق الساحلية المنخفضة، حيث تتركز غالبية السكان.
انهيار البنية التحتية
الأزمة لا تتوقف عند محدودية المأوى، بل تتوسع بفعل انهيار شبه كامل للبنية التحتية في قطاع غزة، فقد أدت عمليات القصف المتكررة إلى تدمير شبكات الصرف الصحي، ما جعل مياه الأمطار تختلط بمياه المجاري. ومع تراكم النفايات في الشوارع، ترتفع احتمالات انتشار الأمراض بشكل كبير.
يقول الشوا إن آلاف العائلات تواجه خطر انهيار منازلها المتضررة بفعل الحرب، حيث سقط منزلان بالفعل خلال الساعات الماضية، في حين تتزايد المخاوف من انهيارات جديدة مع استمرار هطول الأمطار واتساع التصدعات.
مخيمات بلا حماية
من جانبه يرسم إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، صورة أشد قتامة للأوضاع داخل المخيمات، إذ يشير إلى أن عشرات الآلاف من الخيام تضررت جراء المنخفضات الجوية المتتالية، ويؤكد أن أكثر من 22 ألف خيمة تضررت بالكامل، ومنها الأغطية ومواد العزل والبطانيات، في حين أغرق المنخفض الجوي السابق عشرات آلاف الخيام وحولها إلى بقع واسعة من المياه والطين.
ويضيف الثوابتة أن مئات آلاف العائلات تقيم في خيام مهترئة تضررت من القصف ومن الظروف الجوية القاسية، في حين تفتقر المخيمات لأبسط مقومات الحياة من وسائل التدفئة ومستلزمات الوقاية من البرد.
تعطل الخدمات الطبية
ومع تزايد الأعداد داخل المخيمات، تواجه الطواقم الطبية تحديات هائلة، فقد أدى اختلاط مياه الأمطار بشبكات المياه المؤقتة إلى ارتفاع مستويات التلوث، إضافة إلى تعطل 10 نقاط طبية متنقلة وفقدان مستلزمات طبية حيوية.
ويشير الثوابتة إلى أن الطواقم الصحية عاجزة عن الوصول إلى مناطق واسعة داخل المخيمات في أنحاء قطاع غزة، في حين يتزايد عدد المصابين جراء الانهيارات وحوادث الغرق في برك المياه والطين، كما ترتفع معدلات الإصابة بأمراض الرئة والالتهابات بسبب البرد الشديد.
نداءات استغاثة
يؤكد الثوابتة أن النازحين يفتقدون الحد الأدنى من مقومات الحياة، مشددًا على ضرورة التدخل العاجل لتوفير المأوى والمواد الأساسية. ويشير إلى أن القطاع بحاجة فورية إلى 300 ألف خيمة جديدة، في حين لم يدخل سوى 20 ألف خيمة فقط منذ بدء الأزمة، وهو رقم لا يغطي سوى نسبة صغيرة جدًا من الاحتياجات.
ويضيف أن استمرار هطول الأمطار لليلة الثانية على التوالي يزيد من تفاقم المأساة الإنسانية، مع تأثير منخفض جوي عميق يستمر حتى مساء يوم غد الجمعة، ترافقه درجات حرارة منخفضة تضاعف معاناة أكثر من مليون ونصف المليون نازح داخل المخيمات.
مخاطر صحية تتسع
مع تواصل تراكم النفايات وانسداد شبكات الصرف الصحي وخلط مياه الأمطار بالمياه الملوثة، يزداد خطر تفشي الأمراض المعدية، وتؤكد المصادر الصحية داخل القطاع أن غياب أدوات التنظيف والقفازات ومواد التطهير، إضافة إلى الانهيار شبه الكامل للخدمات الصحية، يجعل المخيمات بيئة خصبة لانتشار أمراض معوية وجلدية وتنفسية.
وفي ظل النقص الحاد في الخيام ومواد العزل، يعيش آلاف الأطفال بلا أي حماية من البرد، في حين يعاني آخرون من الالتهابات التنفسية نتيجة الرطوبة العالية داخل الخيام المبتلة. ويؤكد مسؤولو الصحة أن الوضع مرشح للتفاقم خلال الأسابيع المقبلة.
دخل قطاع غزة فصل الشتاء بعد أشهر طويلة من القصف المتواصل الذي أدى إلى دمار هائل في البنية التحتية، ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص إلى مخيمات عشوائية تفتقر لأدنى الخدمات الأساسية. وتسببت الحرب في انهيار شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتعطيل المستشفيات والمراكز الطبية، ويشير الخبراء إلى أن حجم الركام في القطاع تجاوز 61 مليون طن، في حين يعاني السكان نقصاً حاداً في المياه الصالحة للشرب والغذاء والأدوية والمأوى، ومع بداية المنخفضات الجوية، تضاعفت معاناة النازحين بسبب غرق المخيمات وتهالك الخيام وتعطل الخدمات، في وقت لا تزال فيه الحدود مغلقة والمساعدات الإنسانية شحيحة، ما يجعل القطاع على أعتاب كارثة إنسانية مرشحة للتصاعد مع اشتداد البرد والأمطار خلال شهور الشتاء المقبلة.











